مراسلات بوتين – أوباما
يرى خبراء غربيون مختصون في العلاقات الروسية الأمريكية أن الولايات المتحدة الأمريكية تمهد الطريق لموسكو في دخولها إلى الشرق الأوسط عبر البوابة السورية لتصرفها بهذه الطريقة عن تعزيز علاقاتها مع بكين، التي باتت تنافس واشنطن على مركز الصدارة في الاقتصاد العالمي وبالتلي في السياسة العالمية
تأتي زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى موسكو في هذا الوقت للتباحث في مسألة واحدة من جدول أعمال المراسلات القائمة بين الرئيسين الروسي والأمريكي، ولكن من المقرر أن يحمل سكرتير مجلس الأمن في روسيا الاتحادية نيكولاي باتروشوف رسالة جوابية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيره الأمريكي باراك أوباما في محاولة لتوضيح الموقف الروسي من القضايا المطروحة في رسالة الرئيس الأمريكي المرسلة إلى بوتين في الرابع عشر من نيسان الفائت.
وكان بوتين قد تعرف على مضمون رسالة أوباما وناقش بعض محتوياتها مع مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي توماس دانيلون، واعدا إياه بأن باتروشوف سيحمل في وقت قريب رسالة جوابية روسية إلى الرئيس الأمريكي أوباما.
وإن لم يعد سرا أن المسائل التي يبحثها الرئيسان تتمحور حول موقف الدولتين من مسائل دولية محددة تثير لدى الجانبين قلقا لاقى انعاكسا له في توتر العلاقات المختلفة بينهما منذ أن تسلم الرئيسان مقاليد دورة جديدة في رئاستهما لبلديهما، بل وازداد هذا التوتر تفاقما بعد أن أعلن الرئيس الروسي في مطلع العام الجاري عن أن روسيا لن تتردد في الدفاع عن مصالحها الجيوسياسية في العالم.
وجاءت القوانين التي اتخذها الكونغرس الأمريكي /قانون مغنيتسكي/ ومجلس الدوما الروسي /قانون الطفل مكسيم/ لتصب الزيت في النار المشتعلة في العلاقات بين البلدين، حتى أن البعض أشار إلى بداية موجة جديدة من الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا كانت الخلافات الأساسية باتت محصورة في قضايا مثل نشر منظومات الدفاع الصاروخي الأمريكية في أوروبا ومسائل الهيمنة في جنوب شرق آسيا ومسائل البرنامج النووي الإيراني والأزمة السورية ومكافحة الإرهاب الدولي، إلا أن تشعب هذه المسائل دفع الرئيسين إلى البحث عن مخارج لها عبر تنازلات وتبادل مصالح جيوسياسية معينة.
ويرى خبراء غربيون مختصون في العلاقات الروسية الأمريكية أن الولايات المتحدة الأمريكية تمهد الطريق لموسكو في دخولها إلى الشرق الأوسط عبر البوابة السورية لتصرفها بهذه الطريقة عن تعزيز علاقاتها مع بكين، التي باتت تنافس واشنطن على مركز الصدارة في الاقتصاد العالمي وبالتلي في السياسة العالمية.
ويعزز الخبراء فكرتهم هذه بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتخلى اليوم عن منطقها السابق بشأن الشرق الأوسط، الذي كانت تنظر إليه كما تنظر إلى محطة وقود كبيرة لا قاع لمخزونها، إذ اقتنع الأمريكيون بأنهم وصلوا إلى مستوى "الاستقلال" النفطي وبالتالي لم تعد هناك حاجة للإحتفاظ بهذه الكميات الكبيرة من القوات العسكرية في الشرق الأوسط، بل على العكس، لقد حان الوقت للقيام بالالتفاف السلس نحو نقل هذه القوات من أوروبا والشرق الأوسط لتجمعها في الشرق الأقصى بهدف التحضير لضغوطات على الصين.
وعلى هذا المنوال تكون الولايات المتحدة قد حلت ثلاث مسائل أساسية مع روسيا، في حين يكون على روسيا التي تتخذ من البرغماتية نهجا سياسيا معلنا لها أن تتخلى عن مواقفها في الشرق الأقصى لقناعتها بعدم إمكانيتها على منافسة الصين في هذه المنطقة، والدليل على ذلك موقفها مؤخرا من التأزم الطارئ في شبه الجزيرة الكورية، حيث جاء الموقف الروسي منسجما تماما مع الموقف الأمريكي الذي فوجئ بردة فعل قيادة جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
وعلى محمل هذا النهج من التفكير أجرت الإدارة الأمريكية في النصف الثاني من العام الماضي عمليات "تطهير الكادر" في أوساط البنتاغون والإدارة الأمريكية معتمدة في ذلك على إبعاد "الصقور" خالقي الفوضى الحالية في الشرق الأوسط، واستبدلتهم بكادر واقعي براغماتي بهدف جر روسيا إلى الشرق الأوسط، للتخلص –على حد تعبير بعض الخبراء- من "العناق الإسرائيلي المميت"، الذي بات واضحا بأنه يشكل عبأ ثقيلا على كاهل هذا الكادر "الواقعي" الجديد. إذ أن الإئتلاف الغربي، بما فيه الدول الغربية وإسرائيل وممالك ومشيخات الخليج وإرهاب التطرف الإسلامي، الذي تم استخدامه بنجاح ضد الاتحاد السوفييتي مازال يعمل منذ أيام كارتر – بزيجينسكي، إلا أنه تعثر اليوم في سورية.
إن السؤال الرئيسي الان هو هل يمكن لهذا الإئتلاف البقاء على قيد الحياة؟ أم أن وصول روسيا إلى المنطقة سوف يقضي عليه كليا؟ وحسب رأي جون برنان الرئيس الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية، أنه ينبغي على الولايات المتحدة ألا تفكك هذا الائتلاف فحسب، بل وأن تبيد بعضا من قياداته، التي ربتها الوكالة بذاتها سابقا. ويوجد اليوم في وكالة الاستخبارات المركزية خطط للقيام باغتيالات لقيادات في تنظيم القاعدة وفي جبهة النصرة، وفق تأكيدات في هذا السياق على أن الأمريكيين مستعدون لطرح حل ما للمسألة السورية، وطرحه سوف يتم عن طريق روسيا حصرا.
ويقول خبراء إن روسيا لا تعاني اليوم من مسألة الانجرار للتدخل في الأزمة السورية أو عدم الانجرار إليه، إذ أن هذا النزاع كان في الأساس معدا ضد روسيا بالذات، إن ائتلاف الدول الغربية مع المجموعات الإسلامية المتطرفة كان هدفه منذ البداية إضعاف روسيا، لذلك إن أمام روسيا طريقين فقط: الأول – يمكن أن تسمح بموت سورية، حيث سوف تقوم قطر والسعودية فيما بعد بإغراق هذا البلد بالمرتزقة من شمال القوقاس، الذين سوف يرسلون أخيرا إلى روسيا، وهناك الطريق الثاني ألا وهو نشر القوات الدولية تحت قيادة الأمم المتحدة على الأراضي السورية بهدف مساعدة السوريين في الانتصار على الإرهاب الدولي.
والأهم من هذا وذاك، هو أن لدى روسيا مؤيدين في داخل النظام الأمريكي بحد ذاته، ولدى موسكو وواشنطن في آن واحد فضاء واسع للمساومات بهذا الصدد، إذ أن الأمر الأهم لديهما ينحصر في اختيار المفاوضين فقط، ذلك أن الإدارة في واشنطن تعاني من عدم تجانس كبير في صفوفها.
ويبقى البرنامج النووي الإيراني النقطة الهامة في المراسلات بين الرئيسن الروسي والأمريكي، وكلما ازداد ضغط اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة على الإدارة الإمريكية بشأن المخاوف من النووي الإيراني كلما ارتفعت أصوات في هذه الإدارة حول ضرورة نشر منظومات الدرع الصاروخية في بلدان القارة العجوز لحمايتها من هجوم صاروخي إيراني محتمل، ما يدفع القيادة الروسية للحديث عن مصالح جيوسياسية في العالم وعن إجراء تحديث في استراتيجيتها الدفاعية.
سامي إبراهيم